اسمي (عادل خيري) طبيب في أول أيامه المهنية بمشفى النيل ، أحمل من المزايا مما جعل لي رصيدا من الحب في قلوب الناس ، ولكن يبقى كل إنسان بهذه الدنيا كشهر فبراير ليس كاملا حيث يعيبني الإفراط في التدخين وعلاقاتي النسائية وقد حاولت مرارا وتكرارا الاقلاع عنهما ولكني لم أستطع بالرغم أن التدخين والنساء كلاهما يدمر الصحة ويبدد المال .
وف ليلة كان العنبر ساكنا من صراخ المرضى ، وسمعت رنات حذاء تتقدم ناحيتي من خلال المنحنى المؤدي لموضعي ، إنها رنات خفيفة يبدو أنها فتاة رشيقة من أهل أحد المرضى ،وأرسلت تلك الفتاة بعبيرها قبل أن تظهر ، وحينما بدا لي وجهها شعرت أن القمر يخوض أول رحلة أرضية بالتاريخ حيث كانت عينيها كبحيرتين تنعكس فوق سطحهما بياض السحب واخضرار الأشجار ثم أن شفاها وكأنها مرسومة بريشة فنان وبحاجة إلى قلم أديب لوصفهما ، كما أن جغرافيا جسدها أنستني تاريخي بأكمله ، ومرت أمامي سريعا ككل شيء جميل يمر سريعا ولكني تبعتها كالعنزة التي كانت تسير خلف الأسطورة غاندي ، ويبدو أنها شعرت بإعجابي وإلا ما استدارت وأهدتني ابتسامة المساء التي تكفيني كل صباح ومساء ، ثم إنها دلفت أحد الغرف المهجورة، لذا دخلت خلفها
فنظرت لي بعمق
وقالت لي هامسة : مش هنا ..مش هاينفع هنا ..أنا هاسبقك هناك في الجنينة إل جنب المستشفى ، وأنت تخرج بعدي بشوية علشان الأمن ما يلحظش حاجة .
ثم أسرعت الفتاة صوب هذا المكان الذي يعرف بالمكان المشبوه ولكن لا بأس فالأماكن المشبوهة كالقبور حينما يجتمع فيها البلطجي والطبيب كل سواء دون مناصب أو ألقاب ، وأسرعت بعد دقائق ولمحتها تقف بعيدا عن أعمدة الإنارة وحينما سرت خلفها ، أخبرتني أنها تدعى (سارة) وقد ملت تلك الليلة من جلوسها أمام باب العناية المركزة التي ترقد على أحد آسرتها صديقتها المقربة .
وفجأة!!!!! قابلتنا فتاة ترتدي نقاب أزرق ، ولمحت عينيها تحملق بي مما جعل الخوف يدق على أبواب قلبي ليدخل ، وفتح قلبي لذلك الخوف حينما قابلتنا مرة ثانية
حينما همست لسارة بصوت متقطع
وقلت : لاحظتي البنت المنتقبة دي قابلتنا بنفس الطريق أكثر من مرة .
وردت سارة : أيوة ومتأكدة إنها عفريتة ، لكن مش هاتقدر تمنعني من إل هاعمله وبصراحة بقى أنا ما بقاش عندي صبر ، لأن آخر مرة عملت فيها كدا مع راجل قبلك كان من فترة طويلة أوي ..علشان كدا لما نوصل للأشجار لازم نفضل نجري لآخرها ...
كنت في شدة الرعب والارتباك ، وكانت سارة هي من تمسك بيدي كطفل تهديء من روعه ،وبعدما وصلنا لبداية الأشجار ، وقبل أن تنطلق أقدامنا كانت الكارثة التي أسقطتني أرضا ، إنها نفس الفتاة المنتقبة تظهر أمام (سارة) وسط الاشجار
وصرخت (سارة) : أنا حررررة ..أنا حررة
وشرعت المنتقبة بالتقدم ناحيتها
وقالت : قدامك الرجالة كتيرر ..إنما دا لاااااااا لأني بحبه ومش هاسمحلك تقتليه فاهمة مش هاسمحلك تقتليه زي ما قتلتي غيره كتير في نفس المكان .
اتسعت عيني من فرط الهلع المصبوغ بالدهشة وكأني أرى الأسماك تطير في الفضاء والطيور تسبح في قاع الماء ، واستمرت المنتقبة تخطو خطوات الشجاعة بينما تتراجع (سارة) ، ثم وقع شعرها أرضا وبدت أسنانها كأسنان الحوت ثم طالت يديها وقصرت قدميها ورحلت عن المكان وهي تهرول كحيوان الكينجارو وتجمد جسدي في وقت تقدمت تجاهي المنتقبة
وقالت : ما تخافش ..أنا مش هاعمل معاك حاجة لأن فيه حاجات كتيررر فيك حلوة ..كل الحكاية إنك مشيت في طريق غير طريقك .
اختفت المنتقبة وكأنها نقطة سوداء سقطت في الظلام ، وهرولت أنا ولم أعقب حتى جفف النور خوفي وتمالكت نفسي وأنا أعبر آمن المشفى ، وشرعت أفكر ولم أجد تفسيرا لما حدث حتى جاء الممرض وقد غزا الحزن ملامح وجهه
وهو يقول : البقاء لله ..اكتشفنا إن المريضة أميمة ماتت .
وتساءلت : مين أميمة ؟؟؟؟؟
ورد الممرض : البنت إل كانت جاية الأسبوع إل فات في حادثة عربية وأنت أبرعتلها بالدم .
انتفضت واقفا حيث أسرعت صوب غرفتها ، ووجدت حسن الخاتمة قد لونت وجهها للون الأبيض وعلى وجهها ابتسامة العاشقين ، ولم أسيطر على دموعي التي عبرت جفني عيني وتساقطت
فقد تذكرت تلك الفتاة
وهي تقول : عايزة أعيش ...عايزة أعيش .
وفجأة!!!!!!! شعرت بيد تمسح دموعي وصوت خلفي
يقول : مش قولتلك فيك حاجات كتيرررررر حلوة
استدرت للخلف لأجدها شبح أميمة المتوفية الآن فوق السرير
تساءلت دون خوف : أنت المنتقبة ؟؟؟؟؟
وردت بابتسامة : أيوة ..إل أبرعتلها بالدم ..صحيح إن دمك ما خلاش قلبي يدق أكتر من ال مكتوبله ..بس كفاية إنه وقف وهو بيحبك ..والعبرة بالنهاية .
لم أستطع النطق حينها بينما تراجع شبحها صوب النافذة
وطارت وهي تقول : أسعدني جدا لقياك ، وأدعوا الله في يوم الحشر ألقاك .
تمت ..
تعليقات
إرسال تعليق